كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ورابعا أن كلامهم مبني على كون تبعة جميع الخطايا والذنوب هو الهلاك الأبدي من غير فرق بينها ولازمه أن لا يختلف الخطايا والذنوب من حيث الصغر والكبر بل يكون جميعها كبائر موبقات والذي يراه القرآن الكريم في تعليمه أن الخطايا والمعاصي مختلفة فمنها كبائر ومنها صغائر ومنها ما تناله المغفرة ومنها ما لا تناله إلا بالتوبة كالشرك قال تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}: النساء- 31 وقال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}: النساء- 48 فجعل تعالى من المحرمات المنهي عنها وهي الخطايا والذنوب ما هي كبائر وما هي سيئات أي صغائر بقرينة المقابلة وجعل تعالى من الذنوب ما لا يقبل المغفرة ومنها ما يقبلها فالذنوب على أي حال مختلفة وليس كل ذنب بموجب للخلود في النار والهلاك الأبدي.
واحد فاللطم غير القتل والنظر المريب غير الزنا وهكذا والعقلاء من الإنسان في جميع الأدوار لم يضعوا كل ذنب وخطأ موضع غيره ويرون للمعاصي المختلفة تبعات ومؤاخذات مختلفة فكيف يصح إجراء الجميع مجرى واحدا مع هذا الاختلاف الفاحش بينها وإذا فرض اختلافها لم يصح إلا جعل العقاب الخالد والهلاك الأبدي لبعضها كالشرك بالله كما يقول القرآن الكريم ومن المعلوم أن مخالفة نهي ما في الأكل من الشجرة ليس يحل محل الكفر بالله العظيم وما يشابه ذلك فلا وجه لجعل عقابه وتبعته هو العذاب المؤبد راجع بحث الأفعال السابق الذكر.
وخامسا ما ذكروه من وقوع الإشكال وحدوث التزاحم بين صفة الرحمة وصفة العدل ثم الاحتيال إلى رفعه بنزول المسيح وصعوده بالوجه الذي ذكروه.
والمتأمل في هذا الكلام وما يستتبعه من اللوازم يجد أنهم يرون أن الله تعالى وتقدس موجود خالق ينسب وينتهي إليه هذا العالم المخلوق بجميع أجزائه غير أنه إنما يفعل بإرادة وعلم في نفسه وإرادته في تحققها تتوقف إلى ترجيح علمي كما أن الإنسان إنما يريد شيئا إذا رجحه بعلمه فهناك مصالح ومفاسد يطبق الله أفعاله عليها فيفعلها وربما أخطأ في التطبيق فندم على الفعل وربما فكر في أمر ولم يهتد إلى طريق صلاحه وربما جهل أمرا وبالجملة هو تعالى في أوصافه وأفعاله كالإنسان إنما يفعل ما يفعل بالتفكر والتروي ويروم فيه تطبيق فعله على المصلحة فهو محكوم بحكم المصالح ومقهور بعملها فيه من الخارج ويمكن له الاهتداء إلى الصلاح ويمكن له الضلال والاشتباه والغفلة فربما يعلم وربما يجهل وربما يغلب وربما يغلب عليه فقدرته محدودة كعلمه وإذا جاز عليه هذا الذي ذكر جاز عليه سائر ما يطرأ الفاعل المتفكر المريد في فعله من سرور وحزن وحمد وندم وابتهاج وانفعال وغير ذلك والذي هذا شأنه يكون موجودا ماديا جسمانيا واقعا تحت ناموس الحركة والتغير والاستكمال والذي هو كذلك ممكن مخلوق بل إنسان مصنوع وليس بالواجب تعالى الخالق لكل شئ.
وأنت بالرجوع إلى كتب العهدين تجد صدق جميع ما نسبناه إليهم في الواجب تعالى من جسميته واتصافه بجميع أوصاف الجسمانيات وخاصة الإنسان.
والقرآن في جميع هذه المعاني المذكورة ينزه الله تعالى عن هذه الأوهام الخرافية كما يقول تعالى: {سبحان الله عما يصفون}: الصافات- 159 والبراهين العقلية القاطعة قائمة على أنه تعالى ذات مستجمع لجميع صفات الكمال فله الوجود من غير شائبة عدم والقدرة المطلقة من غير عجز والعلم المطلق من غير طرو جهل والحياة المطلقة من غير إمكان موت وفناء وإذا كان كذلك لم يجز عليه تغير حال في وجوده أو علمه أو قدرته أو حياته.
وإذا كان كذلك لم يكن جسما ولا جسمانيا لأن الأجسام والجسمانيات محاط التغيرات والتحولات ومحال الإمكانات والافتقارات والاحتياجات وإذا لم يكن جسما ولا جسمانيا لم يطرء عليه الحالات المختلفة والطواري المتنوعة من غفلة وسهو وغلط وندم وتحير وتأثر وانفعال وهوان وصغر ومغلوبية ونحوها وقد استوفينا البحث البرهاني المتعلق بهذه المعاني في هذا الكتاب في موارد يناسبها يجدها المراجع إذا راجع.
وعلى الناقد المتبصر والمتأمل المتدبر أن يقايس بين القولين ما يقول به القرآن الكريم في إله العالم فيثبت له كل صفة كمال وينزهه عن كل صفة نقص وبالآخرة يعده أكبر وأعظم من أن يحكم فيه أفهامنا بما صحبته من عالم الحد والتقدير وبين ما يثبته العهدان في الباري تعالى بما لا يوجد إلا في أساطير يونان وخرافات هند القديم والصين وأمور كان الإنسان الأولي يتوهمها فيتأثر مما قدمه إليه وهمه.
وسادسا قولهم إن الله أرسل ابنه المسيح وأمره أن يحل رحما من الأرحام ليتولد إنسانا وهو إله وهذا هو القول غير المعقول الذي انتهض لبيان بطلانه القرآن الكريم على ما أوضحناه في البيان السابق فلا نعيد.
ومن المعلوم أن العقل أيضا لا يساعد عليه فإنك إذا تأملت فيما يجب من الصفات أن يقال باتصاف الواجب تعالى بها كالثبات السرمدي وعدم التغير وعدم تحدد الوجود والإحاطة بكل شيء والتنزه عن الزمان والمكان وما يتبعهما وتأملت في تكون إنسان من حين كونه نطفة فجنينا في رحم سواء اعتبرت في معناه تفسير الملكانيين لهذه الكلمة أو تفسير النسطوريين أو تفسير اليعقوبيين أو غيرهم إذ لا نسبة بين ما له الجسمية وجميع أوصاف الجسمية وآثارها وبين ما ليس فيه جسمية ولا شيء مما يتصف به من زمان أو مكان أو حركة أو غير ذلك فكيف يمكن تعقل الاتحاد بينهما بوجه.
وعدم انطباق القول المذكور على القضايا الضرورية العقلية هو السر فيما يذكره بولس وغيره من رؤسائهم القديسيين من تقبيح الفلسفة والازراء بالأحكام العقلية يقول بولس قد كتب لأهلكن حكمة الحكماء ولأخالفن فهم الفقهاء أين الحكيم أين الكاتب أين مستفحص هذا الدهر بتعمق أوليس قد حمق الله حكمة هذا العالم إلى أن قال وإذ اليهود يسألون آية واليونانيون يطلبون حكمة نكرز نحن بالمسيح مصلوب رسالة بولس الإصحاح الأول ونظائر هذه الكلمات كثيرة في كلامه وكلام غيره وليست إلا لسياسة النشر والإذاعة والتبليغ والعظة يوقن بذلك من أرعى نظره في هذه الرسائل والكتب وتعمق في طريق تكليمها الناس وإلقاء بياناتها إليهم.
ومن ما مر يظهر ما في قولهم أنه تعالى معصوم من الذنوب والخطايا فإن الإله الذي صوروه غير مصون عن الخطأ أصلا بمعنى الغلط في الإدراك والغلط في الفعل من غير أن ينتهي إلى مخالفة من يجب موافقته.
وأما الذنب والمعصية بمعنى التمرد فيما يجب فيه الطاعة والانقياد فهو غير متصور في حقه تعالى فالعصمة أيضا غير متصورة في حقه سبحانه.
وسابعا قولهم أنه بعد أن صار إنسانا عاشر الناس معاشرة الإنسان للإنسان حق تسخر لأعدائه فيه تجويز اتصاف الواجب بحقيقة من حقائق الممكنات حتى يكون إلها وإنسانا في عرض واحد فكان من الجائز أن يصير الواجب شيئا من مخلوقاته أي يتصف بحقيقة كل نوع من هذه الأنواع الخارجية فتارة يكون إنسانا من الأناسي وتارة فرسا وتارة طائرا وتارة حشرة وتارة غير ذلك وتارة يكون أزيد من نوع واحد من الأنواع كالإنسان والفرس والحشرة معا.
وهكذا يجوز أن يصدر عنه أي فعل فرض من أفعال الموجودات لجواز أن يصير هو ذلك النوع فيفعل فعله المختص به وكذا يجوز أن يصدر عنه أفعال متقابلة معا كالعدل والظلم وأن يتصف بصفات متقابلة كالعلم والجهل والقدرة والعجز والحياة والموت والغنى والفقر تعالى الملك الحق وهذا غير المحذور المتقدم في الأمر السادس.
وثامنا قولهم أنه تحمل الصلب واللعن أيضا لأن المصلوب ملعون ماذا يريدون بقولهم أنه تحمل اللعن وما ذا يراد بهذا اللعن أهو هذا اللعن الذي يعرفه العرف واللغة وهو الإبعاد من الرحمة والكرامة أو غير ذلك فإن كان هو الذي نعرفه وتعرفه اللغة فما معنى إبعاده تعالى نفسه من الرحمة أو إبعاد غيره إياه من الرحمة فهل الرحمة إلا الفيض الوجودي وموهبة النعمة والاختصاص بمزايا الوجود فيرجع هذا الإبعاد واللعن بحسب المعنى إلى الفقر في المال أو الجاه أو نحو ذلك في الدنيا أو الآخرة أو كلتيهما وحينئذ فما معنى لحوق اللعن بالله تعالى وتقدس بأي وجه تصوروه مع أنه الغني بالذات الذي هو يسد باب الفقر عن كل شيء.
والتعليم القرآني على خلاف هذا التعليم العجيب بتمام معنى الكلمة قال تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}: الفاطر- 15 والقرآن يسميه تعالى بأسماء ويصفه بصفات يستحيل معها عروض أي فقر وفاقة وحاجة ونقيصة وفقد وعدم وسوء وقبح وذل وهوان إلى ساحة قدسه وكبريائه.
فإن قيل إن اتصافه بالهوان وحمله اللعن بواسطة اتحاده بالإنسان وإلا فهو تعالى في نفسه وحيال ذاته أجل من أن يعرضه ذلك.
قيل لهم هل يوجب هذا الاتحاد حمله اللعن واتصافه بهذه الأمور الشاقة حقيقة ومن غير مجاز أو لا؟
فإن كان الأول لزم المحذور الذي ذكرناه وإن كان الثاني عاد الإشكال أعني أن تولد المسيح لم يوجب انحلال إشكال تزاحم الرحمة والعدل فإن تحمل غيره تعالى للمصائب وأقسام العذاب واللعن لا يتم أمر الفدية أي صيرورة الله فدية عن أفراد الإنسان وهو ظاهر.
وتاسعا قولهم إن ذلك كفارة لخطايا المؤمنين بعيسى بل لخطايا كل العالم يدل ذلك على أنهم لم يحصلوا حقيقة معنى الذنوب والخطايا وكيفية استتباعها للعقاب الأخروي وكيف يتحقق هذا العقاب ولم يعرفوا حقيقة الارتباط بين هذه الذنوب والخطايا وبين التشريع وما هو موقف التشريع من ذلك على ما يتكفله البيان القرآني وتعليمه.
فقد بينا في المباحث السابقة في هذا الكتاب ومن جملتها ما في تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما}: البقرة- 26 وفي ذيل قوله تعالى: {كان الناس امة واحدة}: البقرة- 213 أن الأحكام والقوانين التي يقع فيها المخالفة والتمرد ثم الذنب والخطيئة إنما هي أمور وضعية اعتبارية أريد بوضعها واعتبارها أن يحفظ مصالح المجتمع الإنساني بالعمل بها والرقوب لها وأن العقاب المترتب على المعصية والمخالفة إنما هو تبعة سوء اعتبروه ووضعوه ليكون ذلك صارفا للإنسان المكلف عن اقتراف المعصية والتمرد عن الطاعة هذا ما عند العقلاء البانين للمجتمع الإنساني.
لكن التعليم القرآني يعطي في هذا المعنى ما هو أرقي من ذلك وأرق ويؤيده البحث العقلي على ما مر وهو أن الإنسان بانقياده للشرع المنصوب له من جانب الله وعدم انقياده له تتهيأ في نفسه حقائق من الصفات الباطنة الحميدة الفاضلة أو الرذيلة الخسيسة الخبيثة وهذه هي التي تهيئ للإنسان نعمة أخروية أو نقمة أخروية اللتين ممثلهما الجنة والنار وحقيقتهما القرب والبعد من الله فالحسنات أو الخطايا تتكي وتنتهي إلى أمور حقيقية لها نظام حقيقة غير اعتباري.
ومن البين أيضا أن التشريع الإلهي إنما هو تتمة للتكميل الإلهي في الخلقة وإنهاء الهداية التكوينية إلى غايتها وهدفها من الخلقة وبعبارة أخرى شأنه تعالى إيصال كل نوع إلى كمال وجوده وهدف ذاته ومن كمال وجود الإنسان النظام النوعى الصالح في الدنيا والحياة الناعمة السعيدة في الآخرة والطريق إلى ذلك الدين الذي يتكفل قوانين صالحة لإصلاح الاجتماع وجهات من التقرب باسم العبادات يعمل بها الإنسان فينتظم بذلك معاشه ويتهيأ في نفسه ويصلح في ذاته وعمله للكرامة الإلهية في الدار الآخرة كل ذلك من جهة النور المجعول في قلبه والطهارة الحاصلة في نفسه هذا حق الأمر.
فللإنسان قرب وبعد من الله سبحانه هما الملاكان في سعادته وشقاوته الدائمتين ولصلاح اجتماعه المدني في الدنيا والدين هو العامل الوحيد في إيجاد هذا القرب والبعد وجميع ذلك أمور حقيقية غير مبتنية على اللغو والجزاف.
وإذا فرضنا أن اقتراف معصية واحدة كالأكل من الشجرة المنهية؟ من آدم أوجب له الهلاك الدائم لا له فحسب بل ولجميع ذريته ثم لم يكن هناك ما يعالج به الداء ويفرج به الهم إلا فداء المسيح فما فائدة تشريع الدين قبل المسيح وما فائدة تشريعه معه وما فائدة تشريعه بعده؟!

وذلك أنه لما فرض أن الهلاك الدائم والعقاب الأخروي محتوم من جهة صدور المعصية لا ينفع في صرفه عن الإنسأن لا عمل ولا توبة إلا بنحو الفداء لم يكن معنى لتشريع الشرائع وإنزال الكتب وإرسال الرسل من عند الله سبحانه ولم يزل الوعد والوعيد والإنذار والتبشير خالية عن وجه الصحة فماذا كاد يصلحه هذا السعي بعد وجوب العذاب وحتم الفساد.
وإذا فرض هناك من تكمل بالعمل بالشرائع السابقة وكم من الأنبياء والربانيين من الأمم السالفة كذلك كالنبي المكرم إبراهيم وموسى عليهما السلام وغيرهما وقد قضوا وماتوا قبل إدراك زمان الفداء فماذا ترى أترى أنهم ختموا الحياة على الشقاء أو السعادة وما الذي استقبلهم به الموت وعالم الآخرة استقبلهم بالعقاب والهلاك أم بالثواب والحيوة السعيدة.
مع أن المسيح يصرح بأنه إنما أرسل لتخليص المذنبين والمخطئين وأما الصلحاء والأخيار فلا حاجة لهم إلى ذلك.
وبالجملة فلا يبقى لتشريع الشرائع الإلهية وجعل النواميس الدينية قبل فداء المسيح غرض صحيح يصونه عن العبث واللغوية ولا لهذا الفعل العجيب من الله تعالى وتقدس محمل حق إلا أن يقال أنه تعالى كان يعلم أن لو لم يرفع محذور خطيئة آدم لم ينفعه شيء من هذه التشريعات قط وإنما شرع هذه الشرائع على سبيل الاحتياط برجاء أن سيوفق يوما لرفع المحذور ويجني ثمرة تشريعه بعد ذلك ويبلغ غايته ويظفر بأمنيته إذ ذاك فشرع ما شرع بكتمان الأمر عن الأنبياء والناس وإخفاء أن هاهنا محذورا لو لم يرتفع خابت مساعي الأنبياء والمؤمنين كافة وذهبت الشرائع سدى وإظهار أن التشريع والدعوة على الجد والحقيقة.
فغر الناس وغر نفسه أما غرور الناس فبإظهار أن العمل بالشرائع يضمن مغفرتهم وسعادتهم وأما غرور نفسه فلأن التشريع بعد رفع المحذور بالفداء يعود لغوا لا أثر له في سعادة الناس كما أنه من غير رفع المحذور كأن لا أثر له فهذا حال تشريع الدين قبل وصول أوان الفداء وتحققه! وأما في زمان الفداء وبعده فالأمر في صيرورة التشريع والدعوة الدينية والهداية الإلهية لغوا أوضح وأبين فما هي الفائدة في الإيمان بالمعارف الحقة والإتيان بالأعمال الصالحة بعد ارتفاع محذور الخطيئة واستيجاب نزول المغفرة والرحمة على الناس مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم من غير فرق بين أتقى الأتقياء وأشقى الأشقياء في أنهما يشتركان في الهلاك المؤبد مع بقاء الخطيئة وفي الرحمة اللازمة مع ارتفاعها بالفداء والمفروض أنه لا ينفع أي عمل صالح في رفعها لولا الفداء.
فإن قيل إن الفداء إنما ينفع في حق من آمن بالمسيح فللدعوة ثمرة كما يصرح به المسيح في بشارته.
قيل مضافا إلى أنه مناقض لما تقدمت الإشارة إليه من كلام يوحنا في رسالته أنه هدم لجميع الأصول الماضية إذ لا يبقى من الناس آدم فمن دونه في حظيرة النجاة والخلاص إلا شرذمة منهم وهم المؤمنون بالمسيح والروح بل واحدة من طوائفهم المختلفة في الأصول وأما غيرهم فهم باقون على الهلاك الدائم فليت شعري إلى ما يؤل أمر الأنبياء المكرمين قبل المسيح وأمر المؤمنين من أممهم؟ وبماذا يتصف الدعوة التي جاؤوا بها من كتاب وحكم أبالصدق أم بالكذب؟ والأناجيل تصدق التوراة ودعوتها وليس فيها دعوة إلى قصة الروح والفداء! وهل هي تصدق ما هو صادق أو تصدق الكاذب؟
فإن قيل إن الكتب السماوية السابقة فيما نعلم تبشر بالمسيح وهذه منهم دعوة إجمالية إلى المسيح وإن لم تفصل القول في كيفية نزوله وفدائه فلم يزل الله يبشر أنبيائه بظهور المسيح ليؤمنوا به ويطيبوا نفسا بما سيصنعه.
قيل أولا إن القول به قبل موسى تخرص على الغيب على أن البشارة لو كانت فإنما هي بشارة بالخلاص وليست بدعوة إلى الإيمان والتدين به.